الحرازية التي عزَّتني بموت أمي 

عبدالكريم الرازحي:

الحلقة الثانية

قبل أن أضل طريقي الى بيتها وقبل أن يعزمني الاستاذ غالب الى “الهَجَرَة “بأسبوعين كنت قد تلقيت رسالة من اخي عبد الحكيم يقول لي فيها بأن امي مريضة بالموت وانه اسعفها من القرية الى المستشفى الجمهوري في تعز وتريد رؤيتي وحين وصلتني الرسالة لم يكن معي اجرة السيارة ومصروف الطريق والمئة الريال التي استلمتها من الوزارة كنت قد صرفتها ولم اعد أذكر كيف دبَّرتُ اموري.

مقالات ذات صلة

اذكر فقط بأنني يومها استأذنت من مدير المدرسة وسافرت صباح اليوم التالي للحديدة ومنها الى تعز وعند وصولي قيل لي انها مصابة بمرض الاستسقاء ولم اكن حينها اعرف ماهو هذا المرض الذي أقعد امي وشل حركتها وهدد حياتها!! ولحظة دخلتُ عليها فرحتْ حين رأتني وابتسمت ابتسامةً متعبةً وسألتني عن حالي وعن حال اختي رقية بالحديدة فقلت لها بأنني جئت من مناخة وليس من الحديدة وقالت لي وهي مستغربة من كلامي :

 

  • مش يقولوا انك تشتغل عسكري بالحديدة !!

قلت لها : “كنت اشتغل عسكري وبعداهربت من العسكرة ”

وارتعبت امي حين قلت لها بأنني هربت من الجيش

وقالت لي : لِمَوْ هربت؟ شِحْبِسُوْكْ !!

قلت لها بأن هناك كثيرين يهربون من الجيش وقادتهم يفرحون بهروبهم لأنهم يأخذون مرتباتهم وعندما قلت لها ذلك قالت لي :

  • مكانك.شيطان

وسألتني عن حياتي بعد هروبي من الجيش وقالت لي :

-“وبعدماهربت من الجيش مُوْعِمِلت ؟

قلت لها :طلعت صنعاء ورجعت ادرس وكملت الثانوية والان ادرِّس في مناخة .

ولم تكن امي قد سمعت بمناخة ولابحراز لكنها فرحت عندماعرفت انني هربتُ من الجيش ولم أتعرض لأي أذى .بيد أن فرحتها برؤيتي مالبثت أن تبخّرت عند الوداع.. فلحظة ودعتها رأيت وجهها مغسولا بدموعها لكأنها كانت تدرك بأنها لن تراني ثانية .وبعد عودتي الى مناخة بأسبوع تلقيت رسالة من اخي عبد الحكيم يخبرني بموتها وعندما وصلني خبر الموت لم ابكها رغم حزني الشديد عليها وكذا لم اخبر أحدا من زملائي المدرسين ولم أتلق اي عزاء بموتها من أحد .

وفي تلك الليلة وبعد ان انقذتني المرأة الحرازية من الكلب وفتحت لي بيتها وادخلتني للديوان تفاجأتُ بجمالها وبدت لي اكثر جمالا من كل الجميلات اللاتي رايتهن في عدن والحديدة صنعاء .وأثناء العشاء وبعد ان لاحظت دموعي تسيل على خدي استغربتْ وظنت بأن الكلب ربما يكون قد عضني وأوجعني و راحت تعتذر لي عما سببه لي كلبها من أذى. لكن الحقيقة هي انها كانت السبب في سيلان دموعي وليس كلبها . ذلك انها عندما دخلتْ حاملةً العشاء وطلبت مني ان أنهض لأتعشى تذكرتُ امي وهي تودعني بدموعها فسالت دموعي ولشدة ماشعرتُ بحضور امي وبجميل المرأة التي أنقذتني من الكلب والبرد والظلام وذكرتني بها لم أستطع كتم كل تلك المشاعر التي تمور داخلي وفي اللحظة التي اتهمت المرأة كلبها بأنه السبب في سيلان دموعي توقفتُ عن الاكل وقلتُ لها :

  • مش هو الكلب.. امي ماتت ..وانفجرت أبكي

وتفاجأت المرأة بماقلته وراحت تعزيني وتترحم على امي ثم انفجرت تبكي وبعد ان بكت بكى طفلها ورحنا ثلاثتنا نبكي في الديوان وكنت اول من توقف عن البكاء وبعدي توقف الطفل وبعد ان توقفت الام ومسحت دموعها

سألتني عن اسمي؟

قلت لها : اسمي عبد الكريم

قالت : واسم امك

قلت : اسمها فاطمة

وعادت ثانية للبكاء لكأن موت امي قد ذكّرها بموت امها وبعد ان افرغت مخزونها من الدموع نهضت من مكانها واحضرت لي فرشا وبطانية وغادرت الديوان هي وطفلها وبعد خروجهما اخرجتُ قاتا كان معي وخزنت الى مابعد منتصف الليل وفي الصباح استيقظت على فتة بالحليب والسمن

وبعد ان فطرت شكرت المراة الجميلة وطفلها على كرم الضيافة وودعتهما وعدت الى المدرسة واول ماوصلت سألني الاستاذ عبد الكريم السوسوة

رحمة الله عليه وقال لي :

  • اين رحت امس ؟اين امسيت ؟

وبدلا من ان اخبره بماحدث لي قلت له :

  • الحرازيات جميلات ياعبد الكريم اجمل من الصنعانيات والعدنيات ومن كل اليمنيات وقررت اتزوج حرازية

هو استغرب وقال لي : مادراك انهن جميلات

قلت له : داري

وبعد ان تزوجت وحضرت زوجتي للمدرسة واحضرت لي الغدا من قريتها التي تبعد اكثر من ساعتين من المدرسة ذُهِل من شدة جمالها ومن جمال الاكل الذي أحضرته ثم وقد تفاجأ بأنها عجماء استغرب وقال لي :

  • كيف هذا كيف تتزوج عجماء ؟

قلت له : تزوجتها بخمسين ريال

قال : بخمسين والابخمسة الف مش هذا الموضوع بس هل كنت عارف انها عجماء ؟

قلت له : ماعرفت انها عجماء الايوم ثاني الصبح

قال : هاااا يعني غشوك وزادوا عليك ..تعال معي عند القاضي ورجعها

قلت له : صح عجماء وصح ابوها ماكلمنا ولاقال لي انها عجماء لكن والله ياعبد الكريم انها مرة

هو انفعل وصاح وقال لي : “والله ياعبد الكريم انك اهبل “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى